فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

في هذه الآيات أفانين متعددة من البلاغة نوردها فيما يلي:
1- في ألفاظ الآيات الواردة مورد التهديد والوعيد مراعاة النظير وقد تقدم بحثه فجميع ألفاظها متضافرة على التعبير عن المخيف القارع للقلوب.
2- في قوله تعالى: {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ} فنون عديدة فيما يلي أهمها:
آ- الاستقصاء وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه أي يأتي بجميع عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصي جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا يقوله فقد استقصى المعنى الذي أراده في الآية وهو كراهية الصديد الذي يشربه بأنه يتجرعه وفيه احتمالات أولها انه مطاوع جرعته بالتشديد نحو علمته فتعلم وثانيها انه للتكلف وقد اخترناه في الاعراب أي يتكلف جرعه ولم يذكر الزمخشري غيره وثالثها انه دال على المهلة نحو تفهمته أي يتناوله شيئا فشيئا بالجرع كما يتفهم شيئا فشيئا بالتفهيم ورابعها انه بمعنى جرعه المجرد وفي جميع هذه الأحوال استقصى غاية ما يمكن أن يتناوله شارب الماء.
ب- المبالغة في قوله: {ولا يكاد} فدخول فعل يكاد للمبالغة، يعني: ولا يقارب أن يسيغه فكيف تكون الاساغة؟ كقوله: {لم يكد يراها} أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها.
ج- ذكر الموت وأراد أسبابه وهذا مجاز.
د- وصف العذاب بالغلظة كناية عن قوته واتصاله لأن الغلظة تستوجب القوة وتستدعي أن يكون متصلا تتصل به الأزمنة كلها فلا انفصال بينها.
هـ- الغلو: بذكر كاد وهذا يطرد في كل كلام تستعمل فيه أداة المقاربة كقول الفرزدق:
يكاد يمسكه عرفان راحته ** ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

وقد أفرط أبو العلاء في استعمالها قال:
تكاد قسيه من غير رام ** تمكن في سيوفهم النبالا

تكاد سوابق حملته تغني ** تجد إلى رقابهم انسلالا

تكاد سوابق حملته تغني ** عن الأقدار صونا وابتذالا

سرى برق المعرة بعد وهن ** فبات براحة يصف الكلالا

شجا ركبا وأفراسا وإبلا ** وزاد فكاد أن يشجو الرحالا

ولا بن خفاجة الاندلسي. وكاد هنا مرقصة:
وأهيف قام يسعى ** والسكر يعطف قده

وقد ترنح غصنا ** وحمر الكأس ورده

وألهب السكر خدا ** أورى به الوجد زنده

فكاد يشرب نفسي ** وكدت أشرب خدّه

وكل هذا من الغلو المقبول لأنه مقترن بالأداة ويزداد حسنه إذا تضمن نوعا حسنا من التخييل كقول المتنبي:
عقدت سنابكها عليه عثيرا ** لو تبتغي عنقا عليه أمكنا

ولأبي العلاء في صفة السيف:
يذيب الرعب منه كل عضب ** فلولا الغمد يمسكه لسالا

وقال في وصف الخيل:
ولما لم يسابقهن شيء من الحيوان ** سابقن الظلالا

أما الغلو غير المقبول فهو نوعان نوع يستسيغه الفن كقول المتنبي:
ولو قلم ألقيت في شقّ رأسه ** من السقم ما غيرت من خط كاتب

وقول أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى انه ** لتخافك النطف التي لم تخلق

و- التتميم: وقد تحدثنا عنه أيضا ونبينه هنا فنقول التتميم أنواع ثلاثة تتميم النقص وتتميم الاحتياط وتتميم المبالغة فقد قال يتجرعه ولو قال جرعه لما أفاد المعنى الذي أراده لأن جرع الماء لا يشير إلى معنى الكراهية ولكنه عند ما أتي بالتاء على صيغة التفعل أفهم أنه يتكلف شربه تكلفا وانه يعاني من جراء شربه مالا يأتي الوصف عليه من تقزز وكراهية ثم احتاط للأمر لأنه قد يوهم بأنه تكلف شربه ثم هان عليه الأمر بعد ذلك فأتي بالكيدودة أي أنه تكلف شربه وهو لا يكاد يشربه ولو اكتفى بالكيدودة لصح المعنى دون مبالغة ولكن عند ما جاءت يسيغه افهم انه لا يسيغه بل يغص به فيشربه بعد اللتيا والتي جرعة غب جرعة فيطول عذابه تارة بالحرارة وتارة بالعطش.
3- التشبيه التمثيلي بقوله: {والذين كفروا أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف} فالمشبه مركب وهو الذين كفروا وأعمالهم الصالحة التي يقومون بها في حياتهم كصلة يرفدون بها المحتاج وصدقة يجبرون بها المكسور وعلم يعم نفعه العباد والمشبه به الرماد وهو ما سحقته النار من الاجرام واشتداد الريح واليوم العاصف ووجه الشبه ان الريح العاصف تطير الرماد وتفرق أجزاءه بحيث لا يبقى له أثر فكذلك كفرهم أبطل أعمالهم وأحبطها بحيث لا يبقى لها أثر.
4- المجاز العقلي في اسناد العصف لليوم كقولهم نهاره صائم وليله قائم شبهت صنائعهم الحميدة ومكارمهم المجيدة وما كانوا ينتدبون له من إغاثة الملهوف وعتق الرقاب وفك العاني وافتداء الأسارى وعقر الإبل للأضياف وغير ذلك شبهت هذه الصنائع في حبوطها وذهابها هباء منثورا لبنائها على غير أساس من معرفة اللّه والايمان به برماد طيرته الريح في اليوم الذي أسند اليه العصف.
5- وصف الضلال بالبعد تقدم القول فيه قريبا فجدد به عهدا.

.الفوائد:

{أو} حرف عطف وله معان نوردها فيما يلي:
آ- الشك نحو: {لبثنا يوما أو بعض يوم}.
ب- الإبهام نحو: {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} والشاهد في أو الأولى.
ج- الإباحة وهي الواقعة قبل ما يجوز فيه الجمع نحو: جالس العلماء أو الزهاد.
د- التخيير وهي الواقعة قبل ما يمتنع فيه الجمع نحو: تزوج هندا أو أختها وسر ماشيا أو راكبا.
هـ- مطلق الجمع كالواو كقوله:
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ** لنفسي تقاها أو عليها فجورها

وقد أنكرها بعضهم هنا وقال هي للابهام أي انها تعلم اتصافها بالأمرين وقصدت الإبهام على السامع وهذا مردود لأن كون التقى للنفس والفجور عليها أمران مجتمعان في الواقع كما قال تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} ومن ورودها لمطلق الجمع قول جرير:
جاء الخلافة أو كانت له قدرا ** كما أتى ربه موسى على قدر

وقول النابغة المشهور في معلقته:
قالت ألا ليتما هذا الحمام ** لنا إلى حمامتنا أو نصفه فقد

وعلى هذا المعنى حمل بعض العلماء أو في قوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} وفيها أقوال أخرى سترد في مكانها إن شاء اللّه.
و- الإضراب كـ:{بل} واشترط سيبويه لاجازة ذلك شرطين تقدم نفي أو نهي وإعادة العامل نحو ما قام زيدا وما قام عمرو واستشهد بقوله تعالى: {ولا تطع منهما آثما أو كفورا} ولم يشترط غير سيبويه هذين الشرطين واستشهدوا بقول جرير:
كانوا ثمانين أو زادوا ثمانية ** لولا رجاؤك قد قتلت أولادي

وقيل هي المقصودة بقوله تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون} فقال الفراء الاخبار الاول بحسب ما يظهر للناس ليندفع الاعتراض بأنه كيف يجوز الاضراب مع كونه عالما بعددهم وأنهم يزيدون فهو إخبار منه تعالى بناء على ما يحزر الناس من غير تحقيق ثم أخذ في التحقيق مضربا عما يغلط فيه الناس بناء على ظاهر الحزر وسيأتي المزيد من هذا البحث القيم عند الكلام على هذه الآية.
ز- التقسيم نحو: الكلمة اسم أو فعل أو حرف وسماه بعضهم التفريق نحو قوله تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى} وهو أولى من التعبير بالتقسيم لأن استعمال الواو في التقسيم أجود.
ح- أن تكون بمعنى إلا في الاستثناء وهذه ينتصب المضارع بعدها بإضمار أن كقول زياد الأعجم:
وكنت إذا غمزت قناة قوم ** كسرت كعوبها أو تستقيما

وهذه الآية منها ولكن امتنع النصب لدخول اللام الدالة على الحال فيمتنع تقدير ان الدالة على الاستقبال لئلا تحصل المنافاة.
ط- أن تكون بمعنى إلى وهي كالتي قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة كقوله:
لأستسهلنّ الصعب أو أدرك المنى ** فما انقادت الآمال إلا لصابر

ي- أن تكون للتقريب نحو ما أدري أسلّم أو ودع قال الحريري في درة لغواص: انهم لا يفرقون بين قولهم: لا أدري أينا أقام أو أذن وقولهم أدري أقام أم أذن والفرق بينهما انك إذا نطقت بأم كنت شاكأ فيما أتى به من الإقامة والأذان وإذا أتيت بأو فقد حققت أنه أتى بالأمرين إلا انه لسرعة وقرب ما بينهما صار بمنزلة من لم يقم ولم يؤذن.
ك- الشرطية نحو: لأضربنه عاش أو مات أي إن عاش بعد الضرب وإن مات.
ل- التبعيض ذكره بعضهم واستشهد بقوله تعالى: {وقالوا كونوا هودا أو نصارى} وهذا محض تكلف.

.[سورة إبراهيم: الآيات 19- 22]

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (19) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (20) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (21) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (22)}.

.اللغة:

{مَحِيصٍ}: منجى ومهرب والمحيص يجوز أن يكون مصدرا كالمغيب والمشيب ومكانا كالمبيت والمصيف وفي المختار حاص عنه عدل وحاد وبابه باع وحيوصا ومحيصا ومحاصا وحيصانا بفتح الياء، يقال ما عنه محيص أي محيد ومهرب والانحياص مثله. ومن أقوالهم: وقع في حيص بيص أي في اختلاط لا مخرج منه وفتنة تموج بأهلها وهما اسمان ركبا اسما واحدا وبنيا بناء خمسة عشر والذي أوجب بناءها تقدير الواو فيهما فالحيص التأخر والهرب والبوص مأخوذ من قولهم باص يبوص أي فات وسبق لأنه إذا وقع الاختلاط والفتنة فمنهم فائت ومنهم هارب وكان القياس يقضي أن يقال حيص بوص إلا أنهم أتبعوا الثاني الاول وفيها لغات كثيرة أشهرها حيص بيص بفتح الحاء والباء وفتح آخرهما على البناء كما تقدم، أنشد الأصمعي لأمية بن عائذ الهذلي:
قد كنت خراجا ولوجا صرفا ** لم تلتحصني حيص بيص لحاص

وقالوا: حيص بيص بكسر أولهما وفتح آخرهما وبعضهم يبنيهما على الكسر كما تكسر الأصوات نحو غاق غاق وهناك لغات أخرى أضربنا عن ذكرها.
{بِمُصْرِخِكُمْ}: بمغيثكم وفي المصباح: صرخ يصرخ من باب قتل صراخا فهو صارخ وصريخ إذا صاح وصرخ فهو صارخ إذا استغاث واستصرخته فأصرخني استغثت به فأغاثني فهو صريخ أي مغيث ومصرخ على القياس وهو المغيث والمستغيث فهو من أسماء الأضداد كما في الصحاح. قال ابن الاعرابي المستغيث والمصرخ المغيث.